vendredi 18 juin 2010

كتاب: الأصولية الدينية ما تزال إلى اليوم تغري الكثيرين

كتاب

أوهام الإسلام السياسي- عبد الوهاب المؤدب

الأصولية الدينية ما تزال إلى اليوم تغري الكثيرين



سفيان الشورابي

ما الذي يجعل الآلاف من المسلمين يعبّرون عن ابتهاجهم لسقوط ضحايا برجي نيويورك في شهر سبتمبر 2001؟ وإذا كان لجماعة "القاعدة" أهدافهم للانطلاق بطائرتهم فماذا دار في خلد المتعاطفين مع عملياتهم؟ هذان السؤالان حاول التونسي عبد الوهاب المؤدب الإجابة عنهما في كتابه La Maladie de l’Islam (تعريب: المؤدب ومحمد بنيس). الكتاب خرج عن دائرة المعتاد من البحوث التي صدرت لاحقا بعد تلك الأحداث، التي كان هاجسها تبرئة الإسلام وتنقيته من براثن البغض والكراهية التي لاحقت إرهابي "غزوة مانهاتن". حيث انشغل الجميع، منذ ذلك الحين، بعقد المؤتمرات وانجاز الدراسات لإثبات أن الإسلام براء من هؤلاء، وأن علتهم في تطرفهم.

لا شك أن الإيديولوجية المغلقة التي تقوم على الثوابت الجامدة تنتج لا محالة العنف؛ عنف مروجي تلك الإيديولوجية وعنف الرافضين لها. وطبيعي أن يكون لأصحاب نظريات "نهاية التاريخ" جيوبا معادية لهم. "القاعدة" لم تكن حركة أصولية تنهل من تأويلات ضيقة للدين الإسلامي لتحقيق الخلاص فحسب، وإنما هي جبهة جمعت المتضررين –إيديولوجيا على الأقل، نظرا لأن جزء منهم يعد مستفيدا من غنائم النظام العالم اجتماعيا- للإعلان العصيان على "أمركة" العالم، حتى لو أخذ الأمر شكل صراع ديني.

مستعملا أدوات الحفر الانتروبولوجية، متخليا عن المسائل ذات الاتجاه الميتافيزيقي، ومتفاديا الجدالات الفقهية كان ذلك أسلوب عبد الوهاب المؤدب لفهم وتفسير ظاهرة "القاعدة" وجماعتها. فبسط العوامل الذاتية والموضوعية، وغاص في الجذور التاريخية التي ولّدت شخصا قادرا على الضغط على زر قنبلة موجودة بين أحشائه. مهمة صعبة خاصة أن قسما كبيرا من تاريخ الإسلام جرى "في أجواء الحروب الأهلية المستعرة"، ومن العادي أن تنعكس أجواء القتالات على مواقف وأطروحات مفكري الإسلام وفقهائه، الذين سطع من بينهم -والحقيقة تقال- علماء ومستنيرين لم يكونوا في تلك الصورة لو لم يتشبعوا بفكر الآخر.

إلا أن اللغز المثير، هو لماذا خفت صوت ابن رشد الآن في وجه القراءات المتعصبة لبن تيمية؟ هناك فشل المشروح التحديثي في القرن 18، فعندما كانت أوربا تتخلص من ارث قرون الانحطاط كان محمد عبد الوهاب، في نفس ذلك العصر، يجاهد لإعادة أتباعه إلى نمط حياة "السلف"! ربما "التراجع في مجال التجارة الدولية خصوصا بعد الغزوات الصليبية والمغولية" هي التي أعاقت تطور المنطقة حضاريا، لكن هل النظرة الاقتصادوية هي المعرقل الوحيد لتقدم الحضارة؟ "فإذا أخذنا في الاعتبار العلوم والتطور التقني وحالة الفنون في آن واحد، يمكن القول أن الحضارة الإسلامية كانت مساوية لما تحقق في الحقبة البارونية والكلاسيكية ومتكافئة على صعيد الفكر بين ما تحقق في الإسلام في القرن 11 و 12 أو 13 وبين ما أنجز في القرن 17 في أوربا". فما الذي حصل؟ الأوربيون نظروا إلينا والى خصوصيتنا نظرة الند للند ونحن تعاملنا معهم بمنطق الانبهار السلبي أو الرفض المطلق.

لا ننسى أن أوربا القرن 18 لا تزال تعاني من ويلات الحروب الدينية. إلا أنها تخلصت من براثنها بعد أن جذّر الفكر العقلاني وجوبية تحييد المجال العام من تدخل الدين ورجالاته في وعي الأوربيين. وهو ما لم يحدث في أرض "الإسلام"، وحتى بعض المحاولات "الحداثية" ارتدت بسرعة نتيجة تخوفها من إحداث القطيعة المعرفية مع الأفكار السابقة. لا علاقة للمسألة بعدم وجود "مؤسسة دينية" تنطق بإسم الدين في الإسلام لرفض المسار الأوربي في العلمنة، فإذا كان ذلك صحيحا نظريا إلا أن الواقع يثبت أن رجال الدين في الإسلام لهم سلطة معنوية هامة في الشأن السياسي.

الأصولية الدينية ما تزال إلى اليوم تغري الكثيرين، ليس فقط لقدرة خطابها على تبسيط التحاليل واستنباط حلول ممكنة عمليا، وإنما –وهو الأخطر- كونها مسنودة الآن من طرف القوى المهيمنة فكريا. فـ"هناك جزء من مبادئهم قد اعتمدها الإسلام الرسمي، إذ في حرب الكلمات رأت الدولة أنه يجب أن تنتزع من الأصوليين الحجة القائلة بعدم تطبيقها المعايير الإسلامية في المجتمع. وها هي "تطمس جميع معالم الحداثة الأوربية لمصلحة إعادة إنتاج الرموز الإسلامية (متكيفة مع مشهد مديني غارق في الأمركة)، وأكثر المظاهر جلاء وإثارة للجدل هو تحجب المرأة".